مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة – وزارة العدل العدد الرابع - السنة الرابعة والعشرون (2002م) – صـ 2327
جلسة السبت الموافق 21 من ديسمبر سنة 2002 (شرعي)
برئاسة السيد القاضي: الحسيني الكناني - رئيس الدائرة، وعضوية السادة القضاة: الصديق أبو الحسن، وفلاح الهاجري.
(312) الطعن رقم (191) لسنة 22 القضائية (شرعي)
1 - محكمة الموضوع (سلطتها) - إثبات (تقدير الأدلة) - مسؤولية (الخطأ). تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها والترجيح بينها – من سلطة محكمة الموضوع متى كان تقديرها سائغًا له أصله الثابت في الأوراق - مثال: في دعوى تعويض عن إصابة خطأ. 2 - حكم (حجية الحكم الجنائي) - مسؤولية (الخطأ) - تعويض. حجة الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية – اقتصارها على ما فصل فيه فصلاً ضروريًا وهو خطأ المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والضرر - استبعاد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه في الخطأ أو تقرير مساهمته فيه – لا أثر له إلا في تحديد العقوبة للجاني بين حديها الأدنى والأقصى - مؤدى ذلك – للقاضي المدني أن يستخلص مساهمة المجني عليه في الخطأ الذي أحدث الضرر أو ينفيه عنه ليراعي ذلك في تقدير التعويض طالما أن خطأ المتهم لم يستغرق خطأ المجني عليه.
3 – دية - تعويض. دية السن الواحدة – نصف عشر الدية - العقل أو السمع أو البصر أو النطق أو الصوت - في كل واحد منها دية كاملة - ما كان أقل من ثلث الدية في الأنثى – تعاقل فيه الذكر - ما كان فيه ثلث الدية فأكثر – تعود فيه الأنثى على ديتها. 1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها والترجيح بينها والأخذ بما تراه راجحًا منها ولا معقب عليها في ذلك ما دام تقديرها سائغًا، وله أصله من الأوراق. 2 – إن الفقه والقضاء قد استقر على أن الحكم الجنائي تقتصر حجيته أمام المحاكم المدنية على المسائل
التي كان الفصل فيها ضروريًا لقيامه وهي خطأ المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والضرر، ومن ثم فإن استبعاد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه في الخطأ أو تقديره مساهمته فيه تعتبر من الأمور الثانوية بالنسبة للحكم بالإدانة، إذ أن تقدير الحكم قيام هذه المساهمة من المجني عليه أو نفيها لا يؤثر إلا في تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، وإن القاضي الجنائي غير ملزم ببيان الأسباب التي من أجلها يقرر عقوبة معينة طالما أن هذه العقوبة بين الحدين المنصوص عليهما في القانون، وإذ كان ذلك فإن القاضي المدني يستطيع أن يؤكد أن الضرر نشأ من فعل المتهم وحده دون غيره، كما أن له أن يقرر أن المجني عليه أو الغير قد أسهم في إحداث الضرر رغم نفي الحكم الجنائي هذا وذاك، ليراعي ذلك في تقدير التعويض. 3 – من المقرر شرعًا أن في السن الواحدة نصف عشر الدية، وأن في كل واحد من العقل أو السمع أو البصر أو النطق أو الصوت الدية كاملة، وما كان أقل من ثلث الدية فإن الأنثى تعاقل فيه الذكر، وما كان ثلث الدية فأكثر فإن الأنثى لا تعاقل فيه الذكر بل تعود فيه على ديتها، كما في شرح مختصر خليل عند قوله: (الدية في العقل أو السمع أو البصر أو النطق أو الصوت).
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وتلاوة تقرير التلخيص الذي تلاه القاضي المقرر، وبعد المداولة، حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، وحيث إن الوقائع - على ما يبين من سائر الأوراق – تجمل في أن والد المطعون ضدها (هدى.....) بصفته وليًا طبيعيًا على ابنته القاصرة المذكورة، كان قد أقام الدعوى رقم 22/ 1996 مدني كلي شرعي العين ضد الطاعن، طالبًا الحكم بإلزامه بالتعويض المناسب والمصروفات اللازمة لعلاجها مع تعيين خادمة لها بالمستشفى، ذلك أن الطاعن صدمها بسيارته محدثًا ما بها من إصابات أهمها ارتجاج بالمخ وإصابة بالقصبة الهوائية والأحبال الصوتية تحتاج لعلاج لمدة تربو على السنة. وبجلسة 23/ 2/ 1997 قضت محكمة أول درجة الكلية حضوريًا: بأن يدفع (مصطفى.....) (الطاعن) (لهدى....) بواسطة أبيها مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم والرسوم والمصاريف ورفض غير ذلك من طلبات الطرفين، وإذ لم يرتضِ المدعى عليه هذا القضاء أقام استئنافه المقيد برقم 48/ 1997 شرعي العين. وبجلسة 27/ 5/ 1997 أصدرت محكمة استئناف العين الشرعية حكمها حضوريًا بقبول الاستئناف شكلاً، وموضوعًا بإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لنظرها من جديد تأسيسًا على بطلان الحكم المستأنف لعدم تدخل النيابة العامة في الدعوى عملاً بنص المادة (61) من قانون الإجراءات المدنية، فقام المدعي بصفته بالطعن بالنقض عن ابنته هدى بالطعن المقيد برقم (89) لسنة 19 ق. ع نقض شرعي مدني. وبجلسة 17/ 10/ 1998 قضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى لمحكمة الاستئناف الشرعية – دائرة العين – للفصل في موضوعها بهيئة مغايرة، استنادًا إلى أن مؤدى نص المادتين )156/ 1)، )166( من قانون الإجراءات المدنية أن محكمة الاستئناف هي محكمة الموضوع يقع على عاتقها إكمال النقص الذي تقع فيه محكمة أول درجة فيما استؤنف فيه، وأن تلغي الحكم المستأنف وتفصل في الموضوع، ولا تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة إلا في الحالات المنصوص عليها في المادة )166( سالفة الذكر، وإذ قضت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف لوجود قاصرة في الدعوى وعدم تدخل النيابة العامة وفق مقتضى نص المادة )61/ 3( من قانون الإجراءات المدنية دون أن تحكم في الموضوع بل أحالت الدعوى لمحكمة أول درجة لتفصل فيها رغم استنفادها ولايتها ولم تكن هذه الحالة من الحالات الواردة في المادة )166( التي توجب إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة، فإن محكمة الاستئناف وهي محكمة موضوع تكون قد أخطأت في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقض حكمها والإحالة. وحيث إنه نفاذًا لذلك القضاء قضت محكمة استئناف أبو ظبي الشرعية بجلسة 30/ 6/ 1999 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فأقام الطاعن (مصطفى....) طعنه بالنقض عليه المقيد برقم 188/ 21 ق. نقض شرعي مدني. وبجلسة 18/ 2/ 1999 حكمت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف التي أصدرته لتفصل فيه مجددًا مشكلة من قضاة آخرين.... تأسيسًا على أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن المطعون ضدها قد ساهمت بخطئها في إحداث الضرر الذي وقع بها، وكانت المادة (290) من قانون المعاملات المدنية تجيز للقاضي أن ينقص مقدار الضمان أو لا يحكم بضمان إذا ما كان المتضرر قد اشترك بفعله في إحداث الضرر أو زاد فيه، ولم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع الجوهري الذي تمسك الطاعن به بما يكفي لحمل قضائه، مما يعيبه بالقصور والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه، وإن كان الطعن للمرة الثانية إلا أنه لم يكن لذات السبب الأول المتعلق ببطلان الحكم لعدم تدخل النيابة العامة، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بأن يكون مع النقض الإحالة. وحيث إنه نفاذًا لذلك القضاء أصدرت محكمة استئناف أبو ظبي الشرعية حكمها المطعون ضده بجلسة 13/ 5/ 2000 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه، فطعن الطاعن بالنقض الماثل وأودعت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن. وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب من وجهين، يقول في بيان الوجه الأول إن الحكم لم يلتزم بما جاء في الحكم الناقض بالبحث في مدى مسؤولية المطعون ضدها ومشاركتها في الحادث، واعتبر المسؤولية كلها على الطاعن، مع أن وجود الحكم الجنائي لا يمنع المحكمة من تحري مسؤولية المضرور ومشاركته في الحادث عملاً بالمادة (290) معاملات مدنية، التي تجيز للقاضي أن ينقص مقدار الضمان أو لا يحكم به إذا اشترك المضرور في إحداث الضرر، فخالف الحكم هذا النظر بما يوجب نقضه..
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها والترجيح بينها والأخذ بما تراه راجحًا منها ولا معقب عليها في ذلك ما دام تقديرها سائغًا، وله أصله من الأوراق، وإن الفقه والقضاء قد استقر على أن الحكم الجنائي تقتصر حجيته أمام المحاكم المدنية على المسائل التي كان الفصل فيها ضروريًا لقيامه:
- وهي خطأ المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والضرر.
· ومن ثم فإن استبعاد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه في الخطأ أو تقديره مساهمته فيه تعتبر من الأمور الثانية بالنسبة للحكم بالإدانة، إذ أن تقدير الحكم قيام هذه المساهمة من المجني عليه أو نفيها لا يؤثر إلا في تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، وإن القاضي الجنائي غير ملزم ببيان الأسباب التي من أجلها يقرر عقوبة معينة طالما أن هذه العقوبة بين الحدين المنصوص عليهما في القانون.
وإذ كان ذلك فإن القاضي المدني يستطيع أن يؤكد أن الضرر نشأ من فعل المتهم وحده دون غيره،
كما أن له أن يقرر أن المجني عليه أو الغير قد أسهم في إحداث الضرر رغم نفي الحكم الجنائي هذا وذاك، ليراعي ذلك في تقدير التعويض.
كما أنه من المقرر أنه إذا كان لا يجوز للمحكمة المدنية عند بحث دعوى التعويض أن تنفي عن المتهم الخطأ لكي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجنائي غير أنه يجوز لها أن تقرر أن المجني عليه قد ساهم في وقوع الخطأ، ولا يعد ذلك مناقضًا للحكم الجنائي لأن مساهمة المجني عليه في الخطأ لا تنفي مسؤولية المتهم ما دام أن خطأه لم يستغرق خطأ المجني عليه.
وعلى ذلك، فإنه يجوز للمحكمة المدنية أن تقرر في حكمها أنها أنقصت التعويض قبل المتهم لخطأ المجني عليه دون أن يكون في هذا الذي قررته مساس بحجية الحكم الجنائي. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه المؤيد لقضاء أول درجة قد عرض لواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وحقق أركانها القانونية والموضوعية، وتعرض لدفاع الطاعن إيرادًا وردًا نزولاً عن قضاء الحكم الناقض، ومحص دفاعه الجوهري وانتهى إلى رفض الاستئناف لتوافر أركان مسؤولية الطاعن بفعله عن حدوث الأضرار دون اشتراك أو مساهمة من قبل المجني عليها في هذا الخطأ، لما ساقه الحكم من أسبابه، ولما أوردته كذلك محكمة أول درجة من أسباب، ولم يقدم الطاعن جديدًا ينال من الحكم المطعون فيه الذي أسس قضاءه على سند من أن الحكم المستأنف حدد المسؤولية والشخص المسؤول والمتسبب في الحادث في أن المستأنف الطاعن أقر بحصول الحادث بسبب خطئه، وأنه أصاب المجني عليها إصابة بليغة، كما استند في تقدير التعويض عن الضرر الجسماني اللاحق بها على ما هو مقرر فقهًا في أرش الجراج في ضوء التقارير الطبية المودعة بالملف، وأن محكمة الاستئناف ترى أن الحادث يتمثل في الواقعة المرورية التي تعرضت لها المستأنف ضدها – المجني عليها – بتاريخ 1/ 12/ 94 بطريق مدينة العين والتي ترتب عليها صدمه إياها بسيارته التي أحدثت بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي، وكانت تلك الواقعة محل متابعة جنائية ملف الجنح رقم 659/ 95 انتهت إلى إدانته بجرائم الإصابة الخطأ، والإتلاف والقيادة بإهمال، ومعاقبته عليها جنائيًا مما يعد دليلاً قويًا على أن مسؤوليته عن الحادث ثابتة بحكم جنائي حاز الحجية، ولم يطعن فيه بأي من طرق الطعن القانونية إضافة إلى تحقق عناصر المسؤولية في حقه من خطأ وضرر وعلاقة سببية تتمثل كلها في تدخله إيجابيًا في حصول الحادث، وحدوث الإصابات الجسمانية بالمجني عليها، وفي مباشرته لذلك التدخل الإيجابي، ولا ينال من ذلك قوله بأنه أجرى لها الإسعاف الضروري، فإن ذلك التزام أخلاقي لا يعتبر عنصرًا معفيًا من المسؤولية أو مخففًا منها، كما لا ينال منه ادعاء وكيله إهمال المستشفى في العلاج أو أنه قصر فيه، لأنه ادعاء مرسل لا يسنده دليل أو سند قانوني. لما كان ذلك، وكانت هذه الأسباب سائغة ولها أصلها الثابت من الأوراق وفيها الرد الضمني المسقط لما ساقه الطاعن ومن ثم يضحى النعي بهذا الوجه جدلاً موضوعيًا غير قائم على أساس متعين الرفض. وحيث إن الطاعن يقول في الوجه الثاني إن المحكمة حكمت للمطعون ضدها بتعويض قدره (75000) درهم وهو يساوي دية المرأة كاملة في الدولة، وقد قدر الأطباء ضرر المجني عليها بنسبة 40% أربعين بالمائة تعويضًا كاملاً فقضت المحكمة بهذه النسبة مرتين وخالفت ما اشترطه الفقهاء لتقدير الأرش مما يعيب الحكم بالإخلال بحق الدفاع ويوجب نقضه. وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر شرعًا أن في السن الواحدة نصف عشر الدية، وأن في كل واحد من العقل أو السمع أو البصر أو النطق أو الصوت الدية كاملة، وما كان أقل من ثلث الدية فإن الأنثى تعاقل فيه الذكر، وما كان ثلث الدية فأكثر فإن الأنثى لا تعاقل فيه الذكر بل تعود فيه على ديتها، كما في شرح مختصر خليل عند قوله: (الدية في العقل أو السمع أو البصر أو النطق أو الصوت). لما كان ذلك، وكان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه معللاً بأن المجني عليها تستحق شرعًا التعويض عما أصابها من الضرر الذي لحقها إثر الحادث، وذلك بعشر الدية عن فقدها لسنين من أسنانها لأن في كل سن نصف عشر الدية على ما هو مقر شرعًا وبما أن عشر الدية أقل من ثلثها فإن الأنثى تعاقل فيه الذكر، وعليه فيكون مقدار هذا التعويض (15000) درهم خمسة عشر ألف درهم، وأن نسبة 40% من دية كاملة بسبب فقدها لتلك النسبة من صوتها، لأن في فقدان الصوت كامل الدية وفي فقدان بعضه تقدر نسبته كما نص عليه شراح خليل عند قوله: (والدية في العقل....) وبما أن نسبة 40% من الدية أكثر من ثلثها فإن الأنثى لا تعاقل الذكر في ذلك بل تعود فيه إلى ديتها، وعليه فيكون هذا الجزء من التعويض هو (30.000) ثلاثون ألف درهم، وإن نسبة 40% من دية كاملة بسبب فقدانها لهذه النسبة من قدرتها الجسمية العامة في مجال التنفس وغيره، ولا تعاقل فيها أيضًا الأنثى الذكر لأنها أكثر من ثلثها فيكون قدر هذا الجزء من التعويض هو (30.000) ثلاثون ألف درهم ومن ثم فيكون مجموع ما تستحقه المجني عليها من التعويضات عن مختلف الأضرار التي لحقت بها هو (75.000) خمسة وسبعون ألف درهم، وهذه أسباب صحيحة قائمة على أصل شرعي مقرر ويكون الحكم المطعون فيه المؤيد لها في محله، ويضحى النعي على غير أساس متعين الرفض. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا من دوائر المواد المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية والشرعية السنة السادسة والعشرون (2004م) العدد الثاني من أول إبريل حتى آخر مايو
جلسة الأحد الموافق 16 من مايو سنة 2004 (مدني)
برئاسة السيد القاضي / محمد عبد القادر السلطي رئيس الدائرة ، وعضوية السادة القضاة: عبد العزيز محمد عبد العزيز و شهاب عبد الرحمن الحمادي.
(139) الطعن رقم 312 لسنة 23 القضائية
( 1 ) إثبات " القرائن القانونية ". حكم " حجية الحكم الجزائي ". محكمة الموضوع " سلطتها ". مسئولية " المساهمة في الخطأ ". مرور .
للحكم الجزائي الصادر في الدعوى الجزائية حجية أمام المحاكم المدنية.
أثره – أن تلتزم به في المسائل التي فصل فيها فصلاً ضروريًا فيما يتعلق بوقوع الفعل المكَّون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية والوصف القانوني له ونسبته إلى فاعله .
استخلاص مساهمة المضرور في إحداث الضرر من سلطة محكمة الموضوع متى كان سائغًا مبنيًا على ما له أصل ثابت بالأوراق يكفي لحمل قضائها .
مثال : خلص فيه الحكم سائغًا إلى انتفاء مساهمة الطفلة المصابة في الخطأ وذلك سندًا لما هو ثابت أن الطفلة كانت تغادر مدرستها بما يوجب على سائق السيارة من مراعاة الظروف المكانية والزمانية محترزًا من عنصر المفاجأة الذي صدر عن الطفلة وتدعيه الطاعنة .
( 2 ) تعويض " تقديره ". محكمة الموضوع " سلطتها ". مرور . تقدير الضمان – وجوب أن تكون بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب متى كان نتيجة طبيعية للفعل الضار . الجروح وإصابات البدن – تقدر عنها المحكمة حكومة العدل أو التعويض خلاف الدية أو الأرش . خضوعه لسلطة محكمة الموضوع بمراعاة الظروف الملابسة باعتباره من مسائل الواقع مادام لم يوجب القانون إتباع معايير معينة في تقديره وأبانت المحكمة عناصر الضرر ووجه أحقيته طالب التعويض فيه دفعًا للواقع في الدعوى مثال : في تعويض عن إصابة طفلة أثناء خروجها من المدرسة في حادث سيارة وقد قضي الحكم بالتعويض في ضوء ما حدده التقرير الطبي من تخلف نسبة عجز مقدارها 10 % ولم يتخلف عن الإصابة ما يستحق عنه الدية والأرش .
1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الجنائي الصادر في الدعاوى الجزائية له حجيته أمام المحاكم المدنية وتلتزم به في الدعاوى المطروحة أمامها في المسائل التي فصل فيها وكان فصله فيها ضروريًا فيما يتعلق بوقوع الفعل المكون للأساس المشترك للدعويين الجنائية والمدنية ووصفة القانوني ونسبته إلى فاعله .
فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجنائي السابق له .
ومن المقرر أيضًا أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها واستخلاص توافر الخطأ الموجب للمسئولية واشتراك المضرور في أحداثه من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سـائغًا ومبنيًا على أصل ثابت بالأوراق ويكفي لحمل قضائها .
2 – من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الضمان يجب أن يقدر في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار ، وأن الجروح وإصابات البدن يستحق عنها المضرور أما الدية أو الأرش أو حكومة العدل أو التعويض الذي تقدره المحكمة ، وأن تقدير الضرر ومراعاة الظروف الملابسة في تحديد التعويض الجابر له هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مادام أن القانون لم يوجب إتباع معايير معينة للتقدير ، ولا معقب عليها من المحكمة الاتحادية العليا ما دام أنها أبانت عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه من واقع ما هو مطروح عليها في الأوراق . لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه المحال إلى أسبابه بخصوص التعويض المقضي به قد خلص إلى أن إصابة الطفلة لم تؤد إلى إبانة طرف أو ذهاب معناه ولم تنطو على اعتداء ترك أثرًا لا يعتبر جرحًا أو شجًا ، وليس في هذا القسم شيء مقدر وإنما فيه حكومة عدل التي يترك أمر تقديرها إلى القاضي ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض عن الإصابة التي حدّد التقرير الطبي نسبة العجز الذي خلفته بـ 10 % بعد أن أبان موجبات استحقاقه مما له أصله الثابت في الأوراق ومن ثم فلا يلزم – وقد قرر أن الإصابة ليسـت من الجراح ونحوه التي يستحق عنها الدية أو الأرش المقدر بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية واجتهادات الفقهاء حتى يصار إلى احتساب مقدارها بنسبة العجز الجسمانى كما ذهبت إليه الطاعنة في دفاعها – إتباع معيار معين في تقدير التعويض المستحق .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وبعد المداولـة . حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكليـة .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته وليًا طبيعيًا لابنته مريم أقام الدعوى رقم 86 لسنة 1998 مدني أبوظبي ضد الطاعنة وآخرين – ماجدة..... و سمير..... " بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ خمسة ملايين درهم تعويضًا عن الأضرار المادية والمعنوية على سند من أنه بتاريخ 8/6 / 98 وأثناء خروج ابنته مريم.... من مدرستها صدمتها السيارة رقم 64651 خصوصي أبوظبي التي كان تقودها المدعى عليها / ماجدة.... والمملوكة للمدعى عليه / سمير..... والمؤمن عليها لدى الطاعنة ، وقد قضى بإدانة قائدة السيارة في الجنحة رقم 798 لسنة 98 مرور أبوظبي عن تهمتي الإصابة خطأ والقيادة بتهور ومعاقبتها بالغرامة ألف درهم مع حفظ حق الطفلة المصابة في الحادث في المطالبة بالتعويض ، وقد أصبح هذا الحكم نهائيًا لعدم الطعن فيه بطريق الاستئناف وإذ أصيبت الطفلة من جراء الحادث بالإصابات المبينة بالتقرير الطبي حتى أصبحت عاجزة عن خدمة نفسها وبحاجة دائمة إلى رعاية الآخرين مما يستوجب الحكم بالتعويض الجابر لما لحق بها من أضرار ، وقد ثبتت مسئولية الطاعنة عن هذا التعويض لاعتبارها الشركة المؤمنة على السيارة المتسببة في الحادث ، وكذلك مسئولية المدعى عليهما باعتبار الأولى قائدة السيارة والثاني مالكًا لها ، ومن أجل ذلك كانت الدعوى . ومحكمة أول درجة بعد أن ندبت اللجنة الطبية وأودعت تقريرها قضت في 30/10/2000 بإلزام المدعى عليهما الثاني والثالث بالتضامن فيما بينهما وبالتضامم مع الطاعنة بأن يدفعوا للمطعون ضده بصفته مبلغ 55000 درهم ورفضت ماعدا ذلك من طلبات . وإذ استأنف كل من الطاعنة والمطعـون ضده برقمي 936.905 لسنة 2000 قضت محكمة الاستئناف برفضهما وتأييد الحكم المستأنف . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن المطروح . وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه عّول على الحكم الجنائي بإدانة قائدة السيارة دون أن يبحث مساهمة المضرورة في وقوع الضرر ولاسيّما أن خطأ الأخيرة ثابت من تقرير الشرطة بخروجها إلى الطريق بشكل مفاجئ وكان خطؤها مستغرقًا لخطأ قائدة السيارة ، كما أن الحادث وقع في موقف السيارات وأن اندفاع المضرورة إلى الطريق على نحو مفاجئ بما لا يمكن الاحتراز من صدمها من شأنه أن ينفي الخطأ في مسلك قائدة السيارة وبالتالي انتفاء مسئولية الطاعنة عن الضمان ، بالإضافة إلى خطأ والد الطفلة المتمثل في تقصيره بواجب الرعاية والمراقبة ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضـه.
وحيث إن هذا النعي مردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الجنائي الصادر في الدعاوى الجزائية له حجيته أمام المحاكم المدنية وتلتزم به في الدعاوى المطروحة أمامها في المسائل التي فصل فيها وكان فصله فيها ضروريًا فيما يتعلق بوقوع الفعل المكون للأساس المشترك للدعويين الجنائية والمدنية ووصفة القانوني ونسبته إلى فاعله . فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجنائي السابق له ومن المقرر أيضًا أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها واستخلاص توافر الخطأ الموجب للمسئولية واشتراك المضرور في أحداثه من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغًا ومبنيًا على أصل ثابت بالأوراق ويكفي لحمل قضائها .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن اعتمد حجية الحكم الجنائي في ثبوت الخطأ في جانب قائدة السيارة المؤمن عليها قد واجه دفاع الطاعنة المبني على مساهمة المضرورة في الخطأ بما أورده في أسبابه من القول ".. وهذه المحكمة تشاطر محكمة البداية في عدم تحميل الطفلة المصابة أي خطأ في حصول الحادث لأن البّين من الأوراق وتحديدًا تقرير الحادث وكيفية وقوعه انتفاء مثل هذا الخطأ خاصة وأن الحادث لم يقع في الشارع العام المخصص لمرور السيارات وإنما في موقف السيارات المقابل للمدرسة التي غادرتها الطفلة ومع خلو الأوراق من أي خطأ يمكن نسبته لها فيضحى ادعاء الطاعنة عكس ذلك في حاجة إلى أثبات يقع على عاتقها عبؤة وهى لم تقدم دليلاً عليه ، وبانتفاء هذا الخطأ فيكون الاحتجاج بضرورة إعمال مقتضيات المادتين 297.290 من قانون المعاملات المدنية – بخصوص إنقاص مقدار الضمان – في غير محله ، كما أنه لا مجال لتحميل ولى أمر الطفلة أية مسئولية في إطار مقتضيات المادة 313/1 من ذات قانون خاصة وأنه لم يثبت في حقها ارتكاب أي خطأ والحال أنها مميزة عمرها 11 سنة وقت الحادث التي تعرضت له بموقف السيارات أمام باب مدرستها ،.... أما الادعاء بأن الحادث لا يمكن الاحتراز منه لأن الطفلة اندفعت نحو السيارة وارتطمت بجانبها الأيمن فهو مردود من جهة عدم ثبوت ارتكاب الطفلة لأي خطأ وعدم ثبوت عنصر المفاجأة والارتطام بالشكل الذي حددته الطاعنة ، ومن جهة ثانية لأن قيادة سيارة في الموقف المقابل للمدرسة وفي حوالي العاشرة صباحًا أو في الوقت الذي تكون فيه المدرسة مفتوحة الأبواب لدخول وخروج التلاميذ يجعل السائق ملزمًا بمراعاة كل تلك الظروف الزمانية والمكانية ومحترزًا من وقوع أي حادث أو عنصر مفاجأة وذلك بالانتباه والتقليل من سرعته إلى الحد الأدنى وهى الاحتياطات التي لم تتخذها قائدة السيارة مرتكبة الحادث وإلا لما صدمت الطفلة في الظروف والكيفية المشار إليها ".
فإن هذا الذي أورده الحكم سائغًا ومما له أصله الثابت في الأوراق وكافيا للرد على دفاع الطاعنة بما ورد في هذا السبب ولا مخالفة فيه للقانون بما يكفي لحمل قضائه ومن ثم فإن النعي ينحل إلى جدل موضوع فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تحصيل مهم الواقع وتقدير الأدلة المقدمة في الدعوى مما لا يجوز التحدي به أمام المحكمة الاتحادية العليا وبالتالي يكون على غير أساس . وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق والإخلال بحق الدفاع ، وفي بيان ذلك تقول إنه احتسب قيمة التعويض بمبلغ 55 ألف درهم رغم أن نسبة العجز 10 % ومن ثم يكون المبلغ المستحق عن هذه النسبة هو 3.750 درهم على اعتبار أن دية المرأه هي 75000 درهم ودية العضو الواحد في الأنثى 37.500 × 10 = 3.750 درهم ، كما أنه قضى للمطعون ضده عما لحق ابنته من ضرر أدبي نتيجة إصابتها من الحادث بتعويض قدره 15.000 درهم وبالتالي جمع بين الأرش والتعويض معًا مخالفًا بذلك لنص المادة 299 من قانون المعاملات المدنية مما يعيبه ويستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي مردود ، بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الضمان يجب أن يقدر في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار ، وأن الجروح وإصابات البدن يستحق عنها المضرور أما الدية أو الأرش أو حكومة العدل أو التعويض الذي تقدره المحكمة ، وأن تقدير الضرر ومراعاة الظروف الملابسة في تحديد التعويض الجابر له هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مادام أن القانون لم يوجب إتباع معايير معينة للتقدير ، ولا معقب عليها من المحكمة الاتحادية العليا ما دام أنها أبانت عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه من واقع ما هو مطروح عليها في الأوراق . لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه المحال إلى أسبابه بخصوص التعويض المقضي به قد خلص إلى أن إصابة الطفلة لم تؤدي إلى أبانه طرف أو ذهاب معناه ولم تنطو على اعتداء ترك أثرًا لا يعتبر جرحًا أو شجًا ، وليس في هذا القسم شيء مقدر وإنما فيه حكومة عدل التي يترك أمر تقديرها إلى القاضي ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض عن الإصابة التي حدّد التقرير الطبي نسبة العجز الذي خلفته بـ 10 % بعد أن أبان موجبات استحقاقه مما له أصله الثابت في الأوراق ومن ثم فلا يلزم – وقد قرر أن الإصابة ليسـت من الجراح ونحوه التي يستحق عنها الدية أو الارش المقدر بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية واجتهادات الفقهاء حتى يصار إلى احتساب مقدارها بنسبة العجز الجسمانى كما ذهبت إليه الطاعنة في دفاعها – إتباع معيار معين في تقدير التعويض المستحق ، أما ما أثارته الطاعنة من أن الحكم قد قضى بتعويض أدبي إلى جانب الأرش بما ينطوي على الجمع بينهما مخالفًا بذلك أحكام المادة 299 من قانون المعاملات المدنية فقد واجه الحكم المطعون فيه هذا الدفاع بما أوردة من القول ".... ولما كان التعويض المقضي به في الدعوى ليس دية ولا أرشًا مقدرًا وإنما حددته المحكمة الابتدائية على اعتبار أن الإصابة المراد التعويض عنها هي من النوع الذي توصفه أحكام الشريعة بالإيذاء أو الاعتداء الذي لا يؤدي إلى أبانه طرف أو ذهاب معناه ويعوض عنه بالأرش غير المقدر …، لما كان ذلك هو طبيعة ووصف التعويض الجسماني المحكوم به فلا يوجد ما يمنع شرعًا وقانونًا من الجمع بينه وبين التعويض عن الأضرار الأدبية أن كان لها محل " وإذ أحال الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم الابتدائي في خصوص تبيان عناصر الضرر المادي والأدبي على النحو المشار إليه في المساق المتقدم وكان هذا الحكم المؤيد قد خلص إلى أن الطفلة قد صاحبها آلام جسمانية ونفسية تستحق عنها التعويض وقضى لها بمبلغ إجمالي قدره بخمس وخمسين ألف درهم باعتباره جابرًا للضررين . فإن الحكم المطعون فيه بتأييده قضاء محكمة أول درجة يكون قد التزم صحيح القانون ومن ثم فإن النعي عليه بقالة الخطأ في تطبيق القانون على غير أساس بما يوجب رفضه . وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن .